تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة


في هذه الوصية النبوية المباركة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة". هذه العبارة العميقة تحمل الكثير من الدروس والعبر للمسلمين، حيث ترشدهم إلى أن علاقتهم بالله يجب أن تكون دائمة ومستقرة، سواء في أوقات السهولة أو الصعوبة. عندما يكون الإنسان في رخاء ونعمة، ينبغي عليه أن يتذكر الله ويعمل على تقوية علاقته به، لأنه عندما تأتي أوقات الشدة، سيجد الله بجانبه، يسانده وينجيه.

الالتزام في أوقات الرخاء

الحديث يوجه المسلم إلى الاستمرار في العبادة والطاعة في أوقات الرخاء. هذه الأوقات، حين يكون الإنسان في راحة وسعادة، هي فرصة لبناء علاقة وثيقة مع الله. فلا ينبغي أن ننتظر الأزمات والمحن لكي نتوجه إلى الله بالدعاء والتضرع. بل، يجب علينا أن نستغل أوقات الرخاء، سواء كانت تلك الأوقات مليئة بالصحة، الثراء، أو السعادة الأسرية، لنقترب من الله ونعزز علاقتنا به. فالإيمان الحقيقي يظهر عندما يتذكر الإنسان الله في كل الأحوال، وليس فقط عند الضرورة.

العبرة في التوجه إلى الله في كل حال

الله سبحانه وتعالى في القرآن ينتقد أولئك الذين لا يتوجهون إليه إلا في لحظات الشدة. هؤلاء الأشخاص يظهرون وكأنهم ينسون الله عندما يكونون في حالة من الراحة، ولكن بمجرد أن تضيق عليهم الحياة، يتذكرونه. قال الله تعالى في القرآن: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} [الزمر: 8]. هذه الآية توضح سلوك بعض الناس الذين ينسون فضل الله ونعمته في حياتهم اليومية، ولا يتوجهون إليه إلا عندما يواجهون الشدائد.

البطولة الحقيقية تكمن في معرفة الله في السرّاء

الحديث يشير إلى أن البطولة الحقيقية ليست في التضرع إلى الله عند الأزمات فقط، بل في شكر الله والتوجه إليه في أوقات الرخاء والنعمة. الشخص الذي يشكر الله في كل الأحوال ويعمل على الطاعات في الأوقات الميسورة، هو الشخص الذي يحقق الصدق في علاقته مع الله. قال الله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ} [فصلت: 51]، في إشارة إلى الذين يغفلون عن ذكر الله عند الرخاء.

يونس وفرعون: مقارنة بين المؤمن والكافر

نرى مثالين واضحين في القرآن لأشخاص تعاملوا مع الله بطرق مختلفة في الشدة. النبي يونس عليه السلام، الذي كان من المسبحين لربه في أوقات الرخاء، ناداه في لحظة الضيق عندما كان في بطن الحوت، واستجاب الله له لأنه كان يعرفه ويذكره دائمًا. بينما فرعون، الذي لم يعرف الله إلا في اللحظة الأخيرة من حياته، عندما كان يغرق، لم يقبل الله منه إيمانه لأنه كان متأخرًا. هذه القصة توضح أن معرفة الله في الرخاء هي مفتاح النجاة في الشدة.

الوصية النبوية: سر القوة في العلاقة مع الله

الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا من خلال هذا الحديث أن العلاقة مع الله ليست مجرد دعاء عند الحاجة، بل هي علاقة دائمة ومتواصلة. عندما يتعرف المسلم إلى الله في أوقات السهولة والراحة، فهو يبني أساسًا قويًا لعلاقته مع الله. هذا الأساس سيجعله قريبًا من الله في أوقات الشدة، وسيجد الله بجانبه مستجيبًا لدعائه.

الختام

في النهاية، هذه الوصية النبوية تعلّمنا أهمية معرفة الله في كل الأوقات. يجب على المسلم أن يكون في حالة دائمة من الذكر والطاعة، سواء كان في حالة رخاء أو شدة. فالذين يعرفون الله في الرخاء سيجدون رحمته وحمايته في الشدة. ومن أراد أن يستجيب الله له في أوقات الضيق، عليه أن يكون قريبًا من الله في أوقات الفرج والراحة.

تعليقات