الآية الكريمة التي تقول: {فظلوا فيه يعرجون} تحمل في طياتها إشارة علمية دقيقة تتعلق بحركة الأجسام في الكون. عند التأمل في معنى "العروج"، نجد أن الكلمة تعني لغةً "سير الجسم في خط منعطف أو منحنٍ"، وهو ما أثبتته الدراسات العلمية الحديثة التي تشير إلى أن حركة الأجسام في الفضاء لا تكون أبداً في خطوط مستقيمة بل دائماً تتخذ مساراً منحنياً.
العلم والمعنى اللغوي للعروج
العروج كما ورد في القرآن يشير إلى الحركة في مسارات منحنية أو منعطفة، وهذا ما تم إثباته علمياً في علم الفيزياء الفلكية. الأجسام الكونية سواء كانت كبيرة مثل النجوم والكواكب، أو صغيرة مثل الأقمار الصناعية، تتحرك في الفضاء عبر مسارات منحنية نتيجة لقوتي الجذب والطرد المتعارضتين في الفضاء. هذه القوة التي تؤثر على حركة الأجسام تجعل من المستحيل لأي جسم مادي أن يتحرك في الكون بشكل مستقيم. إذ أن هناك دائماً قوة جذب تؤثر عليه من جهة، وقوة دفع تعمل على تحريكه في الاتجاه المعاكس، وهاتان القوتان تؤديان إلى انحناء مساره.
هذه الحقيقة العلمية هي ما عبّر عنه القرآن الكريم بمصطلح "العروج"، حيث أشار إلى حركة الأجسام في السماء على أنها تسير في مسارات منحنية. لولا هذه الظاهرة لما كان من الممكن للإنسان أن يرسل الأقمار الصناعية إلى الفضاء أو أن يقوم بريادة الفضاء، إذ تعتمد هذه العمليات بشكل كبير على فهم كيفية تحرك الأجسام في مدارات حول الأرض.
العلاقة بين الجاذبية والسرعة
عندما يُطلق جسم من الأرض نحو السماء، فإنه يخضع لقوتين متعارضتين: الجاذبية الأرضية التي تجذبه نحو الأرض، والقوة الدافعة التي تدفعه إلى السماء. هذه القوة الدافعة تعتمد على السرعة التي يتم بها إطلاق الجسم، وهو ما يسمى بـ"سرعة التحرك الزاوي" أو "سرعة العروج".
في حالة تكافؤ الجاذبية الأرضية والقوة الدافعة، يبدأ الجسم في التحرك في مدار حول الأرض بسرعة أفقية تتيح له الاستمرار في الدوران حول الكوكب. وقد وضع الله سبحانه وتعالى نظاماً دقيقاً لهذه الحركة، حيث تتحرك الأجرام السماوية في مدارات محددة تتأثر بكتلتها وبالسرعة التي تتحرك بها.
التوازن الكوني والعروج
هذا التوازن الدقيق بين قوى الجاذبية والقوى الدافعة هو ما يتحكم في كيفية دوران الأجسام حول الأرض أو حول أي جرم سماوي آخر. كما أن ضبط العلاقة بين هاتين القوتين يحدد المستوى الذي يدور فيه الجسم، سواء كان حول الأرض أو أي كوكب آخر في المجموعة الشمسية.
ولفهم هذا التوازن بشكل أفضل، يُعرف مفهوم "سرعة الإفلات من الجاذبية الأرضية" بأنها أقل سرعة يحتاجها جسم للتغلب على قوة الجاذبية الأرضية والانتقال إلى الفضاء. هذه السرعة تُحسب بدقة وتعتمد على كتلة الجسم والمسافة التي يقطعها عن سطح الأرض.
الآيات القرآنية التي تدل على العروج
العروج في القرآن الكريم لم يقتصر على هذه الآية فقط، بل ورد في آيات أخرى توضح حركة الأجسام في الكون. منها:
- قوله تعالى: {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها} (سـبأ: 2). هذه الآية تشير إلى أن الله يعلم بحركة الأجسام التي تنزل وتصعد في السماء، مما يدل على عروجها.
- وقوله: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} (السجدة: 5). هذه الآية تشير إلى حركة الأمر الإلهي والعروج في السماوات.
- وقوله: {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون} (الزخرف: 33). هذه الآية تتحدث عن المعارج، وهي الطرق الصاعدة إلى السماء.
- وقوله: {تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} (المعارج: 4). تشير الآية إلى عروج الملائكة والروح في مسارات زمنية طويلة.
خاتمة
الملامح الإعجازية العلمية في القرآن الكريم تتجلى بشكل واضح في استخدام مصطلح "العروج"، الذي يطابق ما توصلت إليه الدراسات العلمية الحديثة حول حركة الأجسام في الفضاء. القرآن الكريم سبق العلم في الإشارة إلى أن حركة الأجسام لا تكون مستقيمة بل منحنية، وأن هذا العروج هو ما يضبط توازن الكون ويسمح بحركة الأجرام السماوية وفق مدارات محددة. هذا الفهم العلمي الدقيق يجعلنا نقف أمام القرآن الكريم معجبين بعجائبه التي تفوق حدود الزمن.
المراجع:اضغظ هنا للانتقال لصفحة المراجع👇