لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن العديد من علامات الساعة الصغرى، التي تظهر قبل قيام الساعة وتسبق العلامات الكبرى مثل ظهور المهدي ونزول عيسى عليه السلام. ما نعيشه اليوم، بكل تطوراته وتعقيداته، يظهر لنا توافقاً شديداً مع تلك العلامات. لكن، رغم قتامة المشهد وتراكم الأزمات، لا ينبغي أن يقودنا ذلك إلى اليأس، بل يزيدنا إيمانًا بأن الساعة آتية لا محالة، وما تحقق من هذه العلامات هو دليل واضح على ذلك.
1. كثرة الفتن والابتلاءات
من أبرز علامات الساعة الصغرى التي أخبرنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم كثرة الفتن وانتشار الابتلاءات بين الناس. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يُصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً» (رواه مسلم). في زماننا هذا، نشهد انتشاراً هائلاً للفتن والابتلاءات في مختلف جوانب الحياة، سواء من خلال التطور التكنولوجي الذي أتاح للفرد الوصول إلى الشبهات والإغراءات بسهولة، أو من خلال التغيرات الاجتماعية والسياسية التي تخلق صراعات وصعوبات جديدة.
2. ضياع الأمانة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة» (رواه البخاري). الأمانة في كل صورها، سواء كانت أمانة الكلمة أو العمل أو المسؤولية، أصبحت ضائعة في كثير من المجتمعات. نرى الفساد والرشوة يغزوان المؤسسات، ونرى الخيانة في العلاقات الإنسانية، وكل ذلك ما هو إلا تحقيق لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
3. انتشار الزنا والربا
من بين العلامات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم انتشار الزنا والربا. قال صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام» (رواه البخاري). في عصرنا الحالي، أصبح الربا منتشراً في التعاملات المالية بين الأفراد والمؤسسات، والزنا يُعرض في وسائل الإعلام بلا حدود، ويُسوق له كأنه أمر طبيعي، مما يعكس الانحلال الأخلاقي الذي يتزامن مع علامات الساعة.
4. كثرة القتل
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيما قَتل، ولا المقتول فيما قُتل» (رواه مسلم). كثرة القتل والعنف أصبحت واقعًا مريراً في عصرنا. الحروب، والصراعات الداخلية، والجرائم العشوائية تُزهق الأرواح بلا سبب واضح، والإنسانية تئن تحت وطأة هذا الواقع القاسي.
5. التطاول في البنيان
قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل: «وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان» (رواه مسلم). في العقود الأخيرة، نشهد بناء الأبراج الشاهقة والمدن الكبيرة التي أصبحت رمزاً للتفاخر والسباق بين الدول الغنية. هذا السباق المحموم للتطاول في البنيان، الذي نراه اليوم في مختلف أنحاء العالم، هو تحقيق حرفي لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
6. عودة الدين غريباً
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء» (رواه مسلم). نحن نعيش في زمان أصبح فيه التمسك بالدين والالتزام بالشريعة غريباً في كثير من المجتمعات. القيم الإسلامية تتعرض للهجوم، والمتدينون يُنظر إليهم كأنهم خارجون عن المألوف، وكل هذا يعكس عودة الدين إلى حالة الغربة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
7. قلة العلم وكثرة الجهلششش
من علامات الساعة الصغرى التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم قلة العلم وكثرة الجهل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبت الجهل» (رواه البخاري). ورغم التقدم العلمي الكبير، إلا أن الجهل بالدين وأحكامه ازداد، خاصة في أوساط الشباب. الاهتمام بالعلوم الدنيوية فاق الاهتمام بالعلوم الشرعية، ما أدى إلى انتشار الفتاوى الخاطئة والآراء المغلوطة.
8. ظهور المعاصي والفساد
قال الله تعالى: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ» (الروم: 41). هذا الفساد الذي نشهده اليوم في كل مكان، سواء كان بيئياً أو أخلاقياً أو اجتماعياً، هو من علامات الساعة الصغرى. الغش، والظلم، والظواهر الاجتماعية المنحرفة أصبحت تنتشر بشكل لم يسبق له مثيل، وكلها نتيجة لإعراض الناس عن الدين وابتعادهم عن تعاليمه.
9. قطع الأرحام
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش، وقطيعة الرحم» (رواه أحمد). في هذا الزمان، نلاحظ تزايد قطيعة الرحم بين الناس، حيث أصبح كثير من الناس ينشغلون بالحياة اليومية والماديات على حساب العلاقات الأسرية. التكنولوجيا الحديثة ورغم فوائدها الكبيرة، إلا أنها ساهمت في زيادة الفجوة بين الأهل والأقارب، حتى بات البعض يقطع أرحامه بضغط الحياة ومتطلباتها.
10. عودة الحكم الإسلامي
على الرغم من انتشار الفتن والمعاصي، إلا أن بعض العلامات الأخرى التي ستتحقق في المستقبل تبعث الأمل في نفوس المسلمين. ومن أبرزها عودة الحكم الإسلامي الرباني، وظهور المهدي المنتظر الذي سيعيد العدل وينشر الإسلام في الأرض، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام ليحكم بشريعة الإسلام ويكسر الصليب ويقتل الدجال. يقول الله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» (التوبة: 33).
خاتمة
إن علامات الساعة الصغرى التي نشهد تحققها واحدة تلو الأخرى هي إشارات من الله عز وجل تدعونا إلى التفكر والتأمل في واقعنا وفي مصيرنا. هذه الأحداث ليست مجرد ظواهر تاريخية أو طبيعية، بل هي إنذارات صادقة يجب أن توقظ فينا الوعي بأهمية الرجوع إلى طريق الله سبحانه وتعالى. فكلما ظهرت علامة، ازدادت الحاجة إلى التوبة والإصلاح، والعودة إلى الهداية قبل أن يفوت الأوان. يجب على كل مسلم أن يستشعر ثقل هذه اللحظات، وأن يدرك أن نهاية الدنيا حتمية، وأن الفوز الحقيقي هو في العمل الصالح والتمسك بالقيم الإسلامية.
المرجع: الانتقال إلى الصفحة من هنا