لطالما كانت قصة فرعون الذي غرق أثناء مطاردته لموسى عليه السلام وبني إسرائيل، محط اهتمام العلماء والمفكرين عبر العصور. يزعم البعض من أهل الآثار اليوم أنهم اكتشفوا جثة فرعون الذي غرق في البحر، ويتساءلون عما إذا كان هذا الاكتشاف يتوافق مع ما ذكره القرآن الكريم. فهل بالفعل تم العثور على جثة فرعون؟ وهل يمثل ذلك إعجازًا علميًا في القرآن؟ دعونا نستعرض ذلك في ضوء تعاليم الإسلام وآراء العلماء.
"تفسير الآية: "فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ"
يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة يونس: "فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً" (يونس: 92). تعني هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى نجّى بدَن فرعون من الغرق ليكون عبرةً لمن بعده من بني إسرائيل، لتأكيد قدرته المطلقة على إهلاك الظالمين، بغض النظر عن قوتهم وسلطتهم.
يشرح الشيخ صالح الفوزان حفظه الله هذه الآية بأن نجاة بدن فرعون كانت دليلاً لبني إسرائيل على هلاكه، وأن الله هو القادر على كل شيء. لكنه يوضح أيضًا أن هذه النجاة لا تعني بالضرورة بقاء جثة فرعون محفوظة إلى يومنا هذا، كما يعتقد البعض من العامة. فقد كان الهدف من إظهار جثة فرعون هو تأكيد موته لمن كان يشكك في هلاكه من بني إسرائيل، وهذا الهدف تحقق في ذلك الوقت. أما اليوم، فجسم فرعون كبقية الأجسام، مصيره إلى الفناء، ولا يبقى منه إلا ما يبقى من غيره، وهو عجب الذنب الذي منه يُرَكَّب الإنسان يوم القيامة.
التحليل العلمي للآية
من جهة أخرى، يضيف العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله، أن قوله تعالى: "فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ" يعتبر من الدقائق العلمية في القرآن الكريم، حيث أن هذه العبارة لم تأت في أي نص تاريخي آخر يتحدث عن فرعون. ويشير ابن عاشور إلى أن هذا التعبير القرآني يتطابق مع الواقع التاريخي، مما يعد من وجوه الإعجاز العلمي في القرآن.
ما إذا كانت الجثة المكتشفة اليوم هي جثة فرعون
يثير البعض اليوم تساؤلات حول الجثة المحنطة المعروضة في بعض المتاحف العالمية، والتي يعتقد أنها جثة فرعون الذي غرق. ولكن، حتى وإن ثبت من خلال الدراسات العلمية والآثارية أنها جثة فرعون، فإن ذلك لا يعني أنها محفوظة بمعجزة إلهية ليوم القيامة، بل يعني فقط أن القرآن الكريم صدق في إخباره بنجاة بدن فرعون ليكون عبرة للآخرين.
خلاصة الأمر: إن اكتشاف جثة فرعون - إذا ثبت ذلك بشكل قاطع - يمكن اعتباره إشارة إلى صدق ما جاء في القرآن الكريم. لكن يجب الحذر من اعتبار هذا الاكتشاف معجزة قائمة بذاتها، فالإعجاز الحقيقي يكمن في دقة الأخبار التي وردت في القرآن قبل أكثر من 1400 عام، والتي تتوافق مع ما أثبته العلم الحديث.
أهمية الإعجاز العلمي في القرآن
الإعجاز العلمي في القرآن هو مجال واسع يهدف إلى بيان التوافق بين النصوص القرآنية والاكتشافات العلمية الحديثة. لكن من الضروري التعامل بحذر مع هذا المفهوم، وعدم المبالغة في تفسير النصوص بطريقة قد تؤدي إلى فهم خاطئ. فعلى الرغم من أن القرآن الكريم يحتوي على إشارات علمية مذهلة، إلا أن الهدف الأساسي منه هو هداية الناس إلى طريق الحق، وليس إثبات النظريات العلمية.
دور العلم والإيمان في تفسير النصوص القرآننية
ينبغي على المسلمين أن يفهموا أن النصوص القرآنية ليست مجرد نصوص علمية، بل هي نصوص دينية تهدف إلى هداية البشر وتوجيههم نحو الإيمان بالله والابتعاد عن الظلم والطغيان. وإذا ما ثبتت صحة بعض الاكتشافات العلمية التي تتوافق مع القرآن، فإن ذلك يجب أن يزيد من إيمان المسلمين، ولكنه لا يجب أن يكون الأساس الوحيد لإيمانهم.
وفي الختام، يجب أن ندرك أن القرآن الكريم هو معجزة خالدة لا تقتصر على عصر أو زمن معين، وأن الإعجاز الحقيقي يكمن في هديه وتشريعاته. إن ما أثبته العلماء من اكتشافات تتوافق مع النصوص القرآنية هو مجرد تأكيد إضافي على صدق هذا الكتاب العظيم.
المرجع: الإسلام سؤال وجواب: تفسير قوله تعالى ( فَاْليَوْمَ نُنَجِّيْكَ بِبَدَنِكَ )