تحية المسجد هي من العبادات المسنونة التي جاءت بها السنة النبوية، وهي عبارة عن ركعتين يصليهما المسلم عند دخوله المسجد قبل أن يجلس. وقد وردت في هذا الباب العديد من الأحاديث النبوية التي تؤكد على هذا الأدب العظيم في الإسلام. ومن خلال هذه الأحاديث يمكننا التوسع في فهم حكم هذه الصلاة وفضلها من منظور الشريعة الإسلامية.
الحديث الأول:
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ؛ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ".
هذا الحديث متفق عليه، رواه البخاري (444) ومسلم (714).
يوضح الحديث أن النبي ﷺ أمر بعدم الجلوس عند دخول المسجد حتى يصلي المسلم ركعتين. يدل هذا الأمر على عظمة هذه السنة وضرورة الامتثال لها كتحية للمكان المقدس الذي هو بيت من بيوت الله.
كما يشير إلى أدب خاص بدخول المسجد، وهو أن لا يجلس المسلم مباشرة عند دخوله المسجد، بل يبدأ بصلاة ركعتين تحيةً للمسجد. هذه الصلاة ليست محددة بوقت معين، فهي مشروعة في كل الأوقات، سواء كان وقت دخول المسجد في الصباح أو في المساء.
وفي هذا السياق، نرى أن الإسلام يعطي أهمية كبيرة لاحترام بيوت الله، حيث تعد هذه الصلاة من أشكال تعظيم شعائر الله. وهي أيضًا وسيلة للمسلم للتقرب إلى الله وتحصيل الأجر.
الحديث الثاني:
عن جابر رضي الله عنه قال: "أتيت النبي ﷺ وهو في المسجد، فقال: "صلِّ ركعتين
هذا الحديث أيضًا متفق عليه، رواه البخاري (443) ومسلم (715). في هذا الحديث نجد توجيهًا مباشرًا من النبي ﷺ إلى جابر رضي الله عنه بأداء ركعتين عند دخوله المسجد. وهذا التوجيه يثبت أن هذه الصلاة لم تكن اختيارية بل كانت سنة مؤكدة.
يبرز من خلال هذه الأحاديث النبوية أن صلاة تحية المسجد ليست مقصورة على نية التحية فقط، بل يمكن للمسلم أن ينويها مع أي صلاة أخرى يؤديها. فلو دخل المسجد وصلى الفريضة أو صلى سنة راتبة أو غيرها من النوافل، تكون هذه الصلاة بمثابة تحية للمسجد. هذا التسهيل في الشريعة يعكس روح الإسلام السهلة والميسرة، حيث لا تُشدد على المسلم في أدائه للعبادات بل تجعله في كل حالاته متقربًا إلى الله.
ومن فضل هذه الصلاة أيضًا أنها تؤكد على أهمية حضور قلب المسلم عند دخوله المسجد. ففي كل مرة يدخل المسلم إلى بيت الله، تكون هذه الركعتان وسيلة له لتجديد إيمانه، وإعادة تركيزه على عبادة الله وترك مشاغل الدنيا خارج أسوار المسجد.
1. تعظيم بيوت الله: يظهر من خلال هذه السنة النبوية كيف أن الإسلام يعلم أتباعه تعظيم بيوت الله والتأدب فيها. فمن خلال صلاة ركعتين قبل الجلوس، يعبّر المسلم عن احترامه للمكان وقدسيته.
2. الخشوع والاستعداد للعبادة: تعين هذه الركعتان المسلم على الاستعداد النفسي للدخول في أجواء العبادة والخشوع. فهي فرصة لتحصيل السكينة والانصراف عن الدنيا للحظات والانغماس في ذكر الله.
3. اتباع السنة: من خلال هذه الأحاديث يتضح لنا كيف أن اتباع سنة النبي ﷺ يقود المسلم إلى تحقيق مزيد من القرب من الله، كما أنها سبب لنيل شفاعة النبي يوم القيامة. فقد قال رسول الله ﷺ: "من أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة".
أحكام إضافية:
يرى جمهور العلماء أن تحية المسجد سنة مؤكدة، فمن السنة أن يؤديها المسلم في أي وقت دخل المسجد، إلا إذا كان الوقت مكروهًا للصلاة كالوقت بعد صلاة العصر وقبل المغرب أو بعد صلاة الفجر وقبل الشروق. غير أن بعض الفقهاء يرون أنها جائزة حتى في هذه الأوقات لأن تحية المسجد من ذوات الأسباب، فهي مرتبطة بفعل معين وهو دخول المسجد.
والخلاصة أن صلاة تحية المسجد تعكس عمق تعاليم الإسلام في تنظيم حياة المسلم حتى في أدق التفاصيل، كما تؤكد على أهمية الاستعداد الروحي قبل الانخراط في عبادة الله، وكل ذلك يتم من خلال تأدية ركعتين بسيطتين تحملان أجرًا كبيرًا وتعملان على تهيئة النفس للخشوع والعبادة.
المرجع: رياض الصالحين من حديث سيد المرسلين لمصنفه ومخرج أحاديثه عل بن حسن بن عبد الحلبي الأثري