أنواع السحر في الإسلام


السحر هو من الأعمال التي حذر منها الإسلام بشدة لكونه يشمل أفعالًا ضارة تفسد حياة الناس وتضرهم جسديًا وروحيًا. السحر قد يتخذ أشكالًا مختلفة، ويتنوع تأثيره تبعًا للأساليب التي يتبعها الساحر أو المشعوذ. من خلال الحديث النبوي الشريف والنصوص الفقهية، يمكننا توضيح بعض أنواع السحر وكيفية تجنبها في الإسلام.

العيافة والطرق والطيرة من الجبت

ورد في الحديث الشريف عن النبي ﷺ: "إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت". فالجبت هو نوع من السحر كما ورد عن بعض العلماء، ويشمل كل شيء لا خير فيه. العيافة هي زجر الطير، حيث كان أهل الجاهلية يعتقدون أن الطيور يمكن أن تدلهم على الخير أو الشر، فيتشاءمون عند رؤية طائر معين أو يتفاؤلون برؤيته. وهذا من أعمال الجاهلية الذي نهى عنه الإسلام.

أما الطرق فهو التخطيط في الأرض بزعم أن هذه الخطوط تكشف عن أمور مستقبلية أو غيبية، وهذا من أعمال السحرة والمشعوذين الذين يدعون علم الغيب، وهو كذب وادعاء لا أصل له في الدين.

تأثير النجوم وعلم التنجيم

ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد". هذا الحديث يحذر من الاعتماد على النجوم للتأثير في الكون أو معرفة الغيب، وهو من أعمال المنجمين والمشعوذين. فالإيمان بأن النجوم لها تأثير في حياة الناس وأحداث الأرض من السحر المحرم.

عقد العقد والنفث فيها

ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك". يعكس هذا الحديث تحذيرًا من بعض الأساليب التي يستخدمها السحرة، مثل عقد العقد والنفث فيها لاستحضار الشياطين وتحقيق غاياتهم الشريرة. يعتبر هذا النوع من السحر مرتبطًا بشكل مباشر بالشرك بالله تعالى، حيث يعتمد الساحر على قوى غير مرئية لتحقيق مقاصده، وهو بذلك يشرك بالله في قدرته وتصريفه للأمور.

النميمة والعضه

في حديث آخر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "ألا هل أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بين الناس". يشير هذا الحديث إلى أن النميمة وتفريق الناس عبر القيل والقال يعد نوعًا من السحر في تأثيره السيء على العلاقات الاجتماعية. فالنميمة تهدف إلى تفكيك العلاقات الإنسانية والتسبب في الفتنة، ولذلك ربطها النبي ﷺ بالسحر في خطورتها.

 السحر بالتخييل

السحر بالتخييل هو نوع من السحر الذي يعتمد على خداع البصر والعقل، كما حدث في قصة سحرة فرعون الذين كانوا يخيلون للناس أن حبالهم تتحول إلى أفاعي تسعى. قال الله تعالى في سورة طه (الآية 66): "يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى". هذا النوع من السحر يعتمد على التلاعب بالحواس ليظن الإنسان أن ما يراه حقيقيًا، وهو في الواقع مجرد وهم وخداع.

استخدام الشياطين في السحر

أحد أخطر أنواع السحر هو السحر الذي يعتمد على الشياطين. في هذا النوع، يقوم الساحر بالتقرب إلى الشياطين وعبادتهم ليحقق لهم ما يريدون من الضرر والشر للآخرين. قال الله تعالى في سورة البقرة (الآية 102) : "وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ". هذا يبين أن تعلم السحر وتعليمه كفر بواح، لأنه يعتمد على قوى غير مرئية تخالف تعاليم الإسلام وتؤدي إلى الإشراك بالله.

 خطر السحر على المجتمع

السحر في الإسلام ليس مجرد عمل فردي يتعلق بالساحر فقط، بل هو آفة اجتماعية تسبب الفساد والخراب في المجتمع. السحرة والمشعوذون يهدفون إلى التفريق بين الأزواج، إفساد العلاقات بين الأصدقاء والجيران، نشر الفتنة والعداوة بين الناس، وكل هذا يعزز من الانقسام الاجتماعي ويؤدي إلى فقدان الثقة بين أفراد المجتمع.

 السحر وعلاقته بالكفر

ورد في الحديث الشريف عن النبي ﷺ: "من سحر فقد أشرك". هذه الجملة تشير بوضوح إلى أن السحر مرتبط بالشرك، لأن الساحر يعتمد على قوى غير الله لتحقيق غاياته، مما يعني أنه يشرك بالله في القدرة على تغيير الأمور وتصريف الأقدار. ولذلك، يعتبر الإسلام أن تعلم السحر وتعليمه وممارسته يؤدي إلى الكفر بالله.

خاتمة

في الختام، يتضح أن السحر ليس مجرد خدعة أو تلاعب بالواقع، بل هو تعدٍّ على العقيدة وانحراف عن التوحيد. من أخطر أشكال الشرك هو الاعتقاد بأن هناك قوى أخرى تتحكم في مصير الإنسان غير الله عز وجل. هذا الانحراف لا يُلحق الضرر بعقيدة الفرد فقط، بل يمتد تأثيره إلى العلاقات الاجتماعية، مسببًا الشكوك والفرقة بين الناس. 

الساحر لا يُفسد عقيدته فقط، بل يتسبب في إفساد القلوب والعلاقات، ويزرع الحقد والضغينة بين الناس. السحر يفتح الباب للظلم والعداوة، حيث يسعى الساحر للتلاعب بأقدار الآخرين، سواء كان ذلك في الأمور الشخصية أو العائلية أو حتى في المجتمع. هذا الفساد الذي ينشره الساحر هو أحد أعظم أنواع الظلم، حيث يسلب الناس حقوقهم ويعتدي على حرياتهم.

ومن هنا تأتي شدة العقوبة في الإسلام للساحر، حيث ورد عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم أن عقوبة الساحر هي القتل. هذه العقوبة ليست قاسية فقط بسبب فعل السحر ذاته، بل لأنها تحمي المجتمع من فساد خطير يهدد استقراره وسلامته. فالسحر هو تجاوز واضح لكل الحدود الشرعية، ويقود صاحبه إلى الكفر بالله، كما ورد في الآية: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾.

لهذا، يجب على المسلمين أن يكونوا حذرين من الانجراف وراء الشعوذة والخرافات التي تعد شكلًا من أشكال الشرك، وأن يحافظوا على نقاء عقيدتهم وتوحيدهم لله وحده.

المرجع : شرح كتاب التوحيد للشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز بن باز

تعليقات