إنك لا تهدي من أحببت


الهداية في الإسلام تنقسم إلى نوعين: هداية الدلالة والإرشاد وهداية التوفيق والقبول. يلعب الأنبياء دورًا رئيسيًا في النوع الأول، بينما يبقى النوع الثاني بيد الله وحده. يستعرض هذا المقال مفهوم الهداية في الإسلام، والدور الذي يلعبه الأنبياء في هداية البشر، وكيف أن الهداية بيد الله وفقًا لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية.

 أولًا: مفهوم الهداية في القرآن

الهداية في القرآن الكريم تنقسم إلى نوعين رئيسيين: هداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والقبول. يقول الله تعالى: "إِنَّكَ لا تهدي من أحببت ولكنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ" (القصص: 56). تعني هذه الآية أن الرسول محمد ﷺ لا يستطيع هداية من يحب إلى الإيمان، لأن الهداية الحقيقية تأتي من الله وحده. 

الهداية التي تعني الدلالة والإرشاد هي الهداية التي يقوم بها الأنبياء والدعاة من خلال تعليم الناس ودعوتهم إلى طريق الحق. بينما الهداية التي تعني التوفيق والقبول هي بيد الله وحده، فهو الذي يفتح قلوب الناس للإيمان ويمنحهم القدرة على قبول الحق.


ثانيًا: دور الأنبياء في هداية البشر

الأنبياء، ومنهم محمد ﷺ، مكلفون بدعوة الناس إلى الله وتبليغ الرسالة الإلهية. يقول الله تعالى: "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (الشورى: 52). هذه الآية توضح أن النبي محمد ﷺ يرشد الناس ويبين لهم الطريق المستقيم، ولكنه لا يملك القلوب ولا يستطيع أن يجعل الناس يقبلون الحق بالإجبار.

قصة وفاة أبي طالب، عم النبي محمد ﷺ، توضح هذه الحقيقة بشكل جلي. عندما حضرته الوفاة، حاول النبي ﷺ أن يدعوه إلى قول "لا إله إلا الله" لكي يشهد له بها يوم القيامة. إلا أن أبا طالب رفض تحت ضغط من قريش وبقي على دين عبد المطلب. قال تعالى: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ" (التوبة: 113). هذه الآية نزلت بعد أن قال النبي: "لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك"، مما يدل على أن الهداية بيد الله وحده.


 ثالثًا: أهمية هداية التوفيق والقبول

هداية التوفيق والقبول هي الهداية الحقيقية التي تقود الإنسان إلى الإيمان والرضا بالحق. هذه الهداية هي من الله وحده، ولا يمكن لأحد أن يمنحها غيره. يقول الله تعالى: "مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا" (الكهف: 17).

هداية التوفيق تعني أن الله يفتح قلب الإنسان للإيمان، ويجعله قادرًا على قبول الحق. هذه الهداية تأتي من فضل الله ورحمته، وليست نتيجة لأعمال الإنسان أو محاولاته الفردية. ولذلك يجب على المؤمن أن يدعو الله دائمًا أن يهديه ويثبته على الحق.


رابعًا: الأمثلة النبوية وتطبيقها في الحياة اليومية

قصة أبي طالب توضح بشكل عملي كيف أن الهداية بيد الله. رغم محاولات النبي ﷺ، لم يستطع أن يهدي عمه إلى الإسلام. وقد ورد في الصحيح عن ابن المسيب، عن أبيه، أن النبي ﷺ قال لأبي طالب عند وفاته: "يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله". ولكنه رفض تحت ضغط قريش.

هذه القصة تعلمنا أهمية الدعاء لله بالهداية لنا ولأحبائنا، وألا نتوقف عن دعوة الناس للحق، مهما كانت الظروف. كما قال النبي ﷺ: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"، فإن الهداية هي بيد الله وحده، ونحن علينا البلاغ والدعوة.


الخاتمة

الهداية في الإسلام هي نعمة عظيمة من الله، وهي تنقسم إلى هداية الدلالة والإرشاد التي يقوم بها الأنبياء والدعاة، وهداية التوفيق والقبول التي هي بيد الله وحده. يجب على المؤمنين أن يجتهدوا في الدعوة إلى الله ويأخذوا بالأسباب، ولكن مع العلم بأن الهداية الحقيقية تأتي من الله وحده. قصة أبي طالب هي مثال واضح على ذلك، وتعطينا درسًا في أهمية الاستمرار في الدعوة والدعاء لله بالهداية لنا وللآخرين.


المرجع : شرح كتاب التوحيد للشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز بن باز

تعليقات