الشرك في الاستغاثة والدعاء لغير الله


الشرك بالله من أخطر الذنوب في الإسلام، وهو ذنب يُخرج الإنسان من دائرة التوحيد ويضعه في دائرة الكفر. واحدة من مظاهر الشرك التي يقع فيها الناس هي الاستغاثة بغير الله أو الدعاء لغيره في الشدائد والمحن. هذا السلوك يتعارض مع تعاليم الإسلام التي تؤكد على أن الله هو الوحيد القادر على نفع الإنسان ودفع الضر عنه.


 الاستغاثة والدعاء في القرآن

الاستغاثة تعني طلب الغوث أو النجدة، وهي نوع من الدعاء يُوجه إلى الله تعالى في لحظات الشدة والكرب. الدعاء، بشكل عام، هو طلب العون أو المساعدة، وقد يكون في حالات الشدة أو الرخاء. الفرق بين الاستغاثة والدعاء هو أن الاستغاثة تكون في أوقات الكرب الشديد، في حين أن الدعاء يمكن أن يكون في أي وقت.

يقول الله تعالى: "وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ. وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ" (يونس: 106-107) . هذه الآيات توضح بشكل جلي أن الله هو الوحيد القادر على نفع الإنسان أو دفع الضر عنه، وأن الدعاء لغيره في هذه الحالات هو ظلم عظيم يُخرج صاحبه من دائرة الإيمان.

كما يقول الله تعالى: "فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوه" (العنكبوت: 17) . هذه الآية تدعو المسلمين إلى طلب الرزق من الله وحده وعبادته دون غيره، مما يشدد على ضرورة التوحيد في الدعاء والاستغاثة.


 مظاهر الشرك في الاستغاثة

الشرك في الاستغاثة يظهر عندما يلجأ الإنسان إلى غير الله في طلب الغوث في حالات الشدة. في الجاهلية، كان المشركون يخلصون الدعاء لله في الشدائد لأنهم يعلمون أنه لا يُنجي إلا الله. ولكن في زماننا هذا، يقع البعض في الشرك في الشدائد والرخاء معاً، حيث يستغيثون بأشخاص أو مخلوقات أخرى، معتقدين أنهم قادرون على نفعهم أو دفع الضر عنهم.


يقول الله تعالى: "وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ" (الأحقاف: 5) . هذه الآية توضح أن الدعاء لغير الله لا يحقق أي فائدة، وأن المدعوين من دون الله غافلون عن دعاء من يدعونهم.

كما يقول الله تعالى: "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ" (النمل: 62) . هذا النص يؤكد أن الله هو الوحيد الذي يجيب دعاء المضطر ويكشف عنه السوء، مما يعني أن طلب الغوث من غيره يعتبر ضلالاً وشركاً.


 الاستغاثة في السنة النبوية

ورد في رواية للطبراني بإسناده أن أحد المنافقين كان يؤذي المؤمنين، فقال بعضهم: "قوموا بنا نستغيث برسول الله ﷺ". فبين النبي ﷺ أنه لا يُستغاث به، بل يُستغاث بالله وحده. قال النبي ﷺ: "إنه لا يُستغاثُ بي، وإنما يُستغاثُ بالله" . هذه الرواية تدعم مفهوم أن الاستغاثة يجب أن تكون موجهة لله فقط، حتى وإن كان المستغاث به شخصاً عظيماً مثل النبي محمد ﷺ.


 الحكمة من التوحيد في الاستغاثة

هذه الآيات والروايات تبين بوضوح أن الدعاء والاستغاثة يجب أن يكونا موجهين لله وحده، وأن الاعتماد على غير الله في هذه الأمور يعتبر شركاً. النبي محمد ﷺ نفسه أشار إلى هذا المعنى عندما رفض أن يستغاث به، مؤكداً أن الاستغاثة تكون بالله وحده.

التحذير من الاستغاثة بغير الله ينطلق من مفهوم التوحيد الذي يُعد أساس العقيدة الإسلامية. الاستغاثة بغير الله تنطوي على اعتقاد بأن هناك من يشارك الله في قدرته على نفع الإنسان أو دفع الضر عنه، وهذا يتنافى مع التوحيد. الله تعالى هو الخالق والمدبر لكل شيء، وهو القادر على إجابة الدعاء وكشف السوء، لذا يجب أن يكون التوجه إليه وحده.

مع ذلك، يُستثنى من هذا الحكم الدعاء للحي القادر الحاضر. يجوز للمسلم أن يطلب العون من شخص حي قادر على مساعدته في أمر دنيوي، مثل حمل شيء ثقيل أو قرض مال. لكن حتى في هذه الحالات، يجب أن يظل الاعتقاد بأن القدرة المطلقة على نفع الإنسان أو دفع الضر هي لله وحده.


 الخاتمة

إن التوجه بالدعاء والاستغاثة لله وحده يعزز من توحيد المسلم ويعمق من علاقته بخالقه. الشرك في الدعاء والاستغاثة ليس فقط انحرافاً عقائدياً، بل هو أيضاً جريمة تضر بالإنسان وتجعله يفقد الحماية الربانية. لذا، يجب على المسلم أن يحرص على التوجه بالدعاء والاستغاثة لله وحده في جميع أحواله، في الشدة والرخاء، وأن يبتعد عن كل ما يمكن أن يوقعه في الشرك بالله.


المرجع : شرح كتاب التوحيد للشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز بن باز 
تعليقات