تثير مسألة الزكاة في حال وفاة رجل قبل انتهاء السنة الهجرية الكاملة تساؤلات ونقاشات هامة في إطار الفقه الإسلامي. عندما يتوفى رجل وتظل أمواله غير موزعة على الورثة لفترة طويلة، يطرح التساؤل إذا كان من الضروري دفع الزكاة على هذه الأموال بمجرد انتهاء السنة الهجرية الكاملة.
أولاً وقبل كل شيء، يجب توضيح أنه إذا توفي رجل قبل انتهاء السنة الهجرية الكاملة، فإن الزكاة لا تُطالب على أمواله. يعود ذلك إلى أن الوقت الذي يصبح فيه الزكاة واجبة لم يحن بعد، وبالتالي لا يُلزم دفع الزكاة عنه وعن أمواله.
ومع ذلك، تختلف الأمور بالنسبة للورثة. إذا بلغت حصة أحد الورثة مبلغ النصاب عند انتهاء السنة الهجرية الكاملة من وفاة الشخص، فيجب عليه دفع الزكاة. وهذا يعني أنه بمجرد أن يصبح مبلغ حصته يساوي النصاب، يصبح عليه دفع الزكاة على هذا المبلغ.
بالمقابل، إذا كانت قيمة الممتلكات المتبقية قليلة ولم تصل إلى النصاب، أو إذا لم يكن للورثة الأموال الكافية لاكتمال المبلغ حتى النصاب، فإنهم ليس عليهم دفع الزكاة. فالزكاة مطلوبة فقط على الممتلكات التي تصل إلى النصاب.
من المهم فهم مفهوم النصاب والمعايير المرتبطة به في الفقه الإسلامي. النصاب يمثل الحد الأدنى من المال الذي يجب فيه دفع الزكاة. ويتنوع هذا النصاب حسب نوع الممتلكات وقيمتها في السوق.
إن فهم مسألة الزكاة في حال وفاة رجل قبل انتهاء السنة الهجرية الكاملة يظهر أن الزكاة لا تُطالب على أمواله الغير موزعة. ويتوجب على الورثة النظر في النصاب والتأكد مما إذا كان أحد الورثة قد بلغ النصاب حتى يتمكن من دفع الزكاة على حصته.
بعدما توفي الرجل وظلت أمواله لمدة طويلة دون توزيعها على الورثة، ينبغي على الورثة أن يتعاملوا مع هذا الأمر بحكمة وفقًا لتعاليم الشريعة الإسلامية. يجب عليهم النظر في القيمة الفعلية للممتلكات وما إذا كانت قد بلغت النصاب المطلوب لوجوب الزكاة عليها.
ومن الجدير بالذكر أن الزكاة لا تقتصر على الأموال النقدية فقط، بل تشمل أيضًا الأموال غير النقدية مثل الممتلكات الثابتة والمتنقلة، والاستثمارات، والأموال المستثمرة في الأسهم أو السندات، وغيرها. لذا يجب على الورثة أن يقوموا بتقدير القيمة الإجمالية لكل ممتلكات الفقيد لتحديد ما إذا كان هناك نصاب يستحق دفع الزكاة عليه.
بمجرد أن يحدد الورثة ما إذا كان هناك نصاب يستحق دفع الزكاة عليه، يجب عليهم الالتزام بواجبهم الديني ودفع الزكاة بناءً على هذا النصاب. يمكنهم دفع الزكاة بمرة واحدة عندما يحدث الحول على مال الفقيد، أو يمكنهم تقسيم المبلغ المستحق على السنة بناءً على تقدير القيمة الإجمالية للأموال.
بهذه الطريقة، يكون الورثة قد قاموا بالوفاء بواجبهم الديني فيما يتعلق بدفع الزكاة على مال الفقيد، وبذلك يكونون قد أديوا حقوق الله في الأموال التي أوكلت إليهم كورثة.
عندما يحل الحول على مال الفقيد ولا يزال هذا المال في حوزة الورثة دون توزيعه، يجب عليهم دفع الزكاة عليه وفقاً للقيمة الإجمالية للممتلكات التي بلغت النصاب المحدد شرعاً. وهنا يكمن التحدي الأخلاقي والديني الذي يواجه الورثة، حيث يتعين عليهم أداء واجب الزكاة لتطهير المال والمحافظة على البركة فيه.
لكن قد تظهر بعض الصعوبات في تقدير القيمة الدقيقة للممتلكات وتحديد ما إذا كانت قد بلغت النصاب المطلوب، وهو ما يتطلب التنسيق بين الورثة واستشارة الخبراء الماليين أو العلماء المتخصصين في الفقه الإسلامي. فقد يكون من الضروري إجراء تقييم دقيق للأموال المتوفرة وتحديد ما إذا كانت تستحق دفع الزكاة عليها أم لا.
علاوة على ذلك، يجب على الورثة أن يأخذوا في الاعتبار حالة كل واحد منهم وقدرته على تحمل تكاليف دفع الزكاة، وذلك لتجنب أي ضغوط مالية قد تنتج عن توزيع مبالغ كبيرة من المال. يمكنهم التواصل مع العلماء والمشايخ للحصول على النصائح والتوجيهات في هذا الصدد، حتى يتمكنوا من اتخاذ القرارات الصائبة والمناسبة.
يجب على الورثة أداء واجب الزكاة بصدق وإخلاص، وذلك ليكونوا على خير وتمام في الدنيا والآخرة، ولتكون أموالهم مطهرة ومباركة ومحافظة على البركة والرزق المبارك.
وبالتالي، يجب على الورثة الاهتمام بتنفيذ واجب الزكاة بدقة ووفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية، وذلك من خلال الالتزام بتحديد النصاب المحدد وتقدير قيمة الأموال المعنية ودفع الزكاة المستحقة عليها. كما يجب عليهم أيضاً أن يكونوا على اطلاع دائم بشأن أحكام الزكاة وأن يستشيروا العلماء المختصين في الفقه الإسلامي للحصول على الإرشاد الصحيح واتخاذ القرارات المناسبة.
من الضروري أن يكون لدى الورثة فهم صحيح لمفهوم الزكاة وأهميتها في الإسلام، حيث تعد الزكاة من أهم ركائز الدين الإسلامي ومن وسائل تطهير الأموال وتوزيع الثروة بين أفراد المجتمع بشكل عادل ومتوازن. ومن خلال تحقيق العدالة الاجتماعية ودعم الفقراء والمحتاجين، يساهم الورثة في بناء مجتمع أكثر تلاحماً وتضامناً.
وفي الختام، يمكن القول إن واجب الزكاة على مال الفقيد الذي لم يحل عليه الحول يقع على عاتق الورثة، ويجب عليهم دفعها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئ العدالة والإنسانية. وبتنفيذ هذا الواجب بنية صادقة ومخلصة، يساهم الورثة في تحقيق العدل والرخاء للجميع، وتحقيق المقاصد الشرعية السامية.
المرجع: كتاب فتاوي في الزاكاة والصيام للشيخ محمد بن صالح العثيمن