الزكاة هي أحد أركان الإسلام الخمسة، وفرض ديني يجب على المسلمين الالتزام به وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية. يشمل هذا الفرض المال المملوك، سواء كان نقدًا، ذهبًا، فضةً، عروض تجارة، أو حتى الديون المستحقة على الآخرين. في هذا السياق، تُعدّ زكاة الديون مسألة مهمة تحتاج إلى تفصيل، لأنها تختلف حسب نوع الدين وظروفه. يمكن تقسيم الديون التي تكون في ذمة الناس إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
القسم الأول: الديون التي لا تجب فيها الزكاة
تشمل هذه الديون الأموال التي لا تُعد نقودًا أو عروض تجارة، مثل الديون الناشئة عن معاملات تجارية لأشياء غير مملوكة بهدف التجارة. على سبيل المثال، إذا قام شخص ببيع سيارة أو منزل لشخص آخر على أقساط، فإن هذه الديون لا تجب فيها الزكاة حتى لو بلغت النصاب. السبب وراء ذلك هو أن هذه الأموال ليست جزءًا من عروض التجارة، ولا تُعتبر مالًا نمائيًا.
القسم الثاني: الديون التي تجب فيها الزكاة
تشمل هذه الفئة الديون التي تُعتبر أموالًا نقدية مثل القروض أو الديون الناشئة عن بيع الذهب والفضة. في هذه الحالة، يجب على الدائن دفع الزكاة على هذه الديون، ويمكنه أن يختار بين أحد الخيارات التالية:
1.دفع الزكاة كل سنة: يمكن للدائن أن يدفع الزكاة على الدين كل سنة مع ماله الحالي، بحيث يُخرج 2.5% من قيمة الدين كزكاة سنوية، حتى لو لم يستلم المبلغ بعد.
2. تأجيل الزكاة حتى القبض: في حالة ما إذا كان الدين متعلّقًا بمدين معسر (أي غير قادر على السداد في الوقت المحدد)، يمكن للدائن أن يؤجل دفع الزكاة حتى يتمكن من قبض المبلغ. بعد قبض المبلغ، يجب عليه دفع الزكاة لسنة واحدة فقط، ثم يواصل دفع الزكاة في كل عام إذا بقي الدين مستحقًا.
مثال توضيحي: إذا كان شخص ما له دين بقيمة 10,000 ريال مستحق لدى آخر، وكان هذا الدين على هيئة قرض أو دين ناتج عن بيع ذهب أو فضة، فإن الدائن يجب عليه أن يدفع زكاة 2.5% على هذا الدين سنويًا. إذا كان المدين معسرًا ولم يستطع الدائن قبض المبلغ، فيمكن تأجيل دفع الزكاة حتى يتم قبض المبلغ، وعندها يدفع زكاة سنة واحدة فقط عن الدين.
القسم الثالث: الديون التي تتطلب دفع الزكاة في كل عام
هذا النوع يشمل الديون المستحقة على مدين موسر (قادر على السداد). في هذه الحالة، يجب على الدائن دفع الزكاة على الدين كل عام. يمكن للدائن اختيار أحد الخيارين التاليين:
1. دفع الزكاة مع ماله: يقوم الدائن بإضافة قيمة الدين إلى أمواله الأخرى التي يجب عليها الزكاة، ويخرج 2.5% منها سنويًا.
2. انتظار القبض ثم دفع الزكاة: يمكن للدائن أن ينتظر حتى يقبض الدين، وبعد قبضه يدفع الزكاة على المبلغ المستلم فورًا، ثم يواصل دفع الزكاة كل عام إذا استمر الدين في الذمة.
مثال توضيحي: إذا كان لشخص دين بقيمة 20,000 ريال عند مدين موسر، يجب على الدائن أن يضيف هذا المبلغ إلى أمواله الأخرى ويخرج زكاة 2.5% سنويًا. إذا قرر الانتظار، فعليه دفع الزكاة على المبلغ المستلم فور قبضه ثم يواصل ذلك سنويًا.
الأحكام الشرعية والأدلة
الأحكام المتعلقة بزكاة الديون تستند إلى نصوص الشريعة الإسلامية من القرآن والسنة:
1. القرآن الكريم: يقول الله تعالى في سورة البقرة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ" (البقرة: 267). هذا الأمر بالإنفاق من الطيبات يشمل جميع أنواع الأموال المكتسبة والتي تتضمن الديون.
2. السنة النبوية: ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنباه وجبينه وظهره" (رواه مسلم). يدل هذا الحديث على أهمية إخراج الزكاة من جميع الأموال، بما في ذلك الديون المستحقة.
النقاط العملية
لتبسيط كيفية تطبيق حكم زكاة الديون في الحياة العملية، يمكن اتباع الخطوات التالية:
1. تقييم الدين: حدد نوع الدين (قرض، بيع ذهب، إلخ) ووضع المدين (معسر أو موسر).
2. حساب الزكاة: إذا كان الدين قابلًا للزكاة، احسب 2.5% من قيمة الدين سنويًا.
3. إخراج الزكاة: قرر ما إذا كنت ستدفع الزكاة سنويًا مع أموالك الأخرى أو ستؤجلها حتى قبض المبلغ.
4. متابعة مستمرة: تابع حالة الدين سنويًا وكرر عملية حساب الزكاة وإخراجها حسب الوضع الحالي.
الخاتمة
حكم زكاة الديون في الإسلام يعتمد على نوع الدين وظروفه. من المهم للمسلمين الالتزام بدفع الزكاة على الديون المستحقة بما يتوافق مع أحكام الشريعة. هذا يعزز العدالة الاجتماعية والاقتصادية ويضمن أن تكون الأموال المتداولة في المجتمع محصنة ببركة الزكاة. على المسلمين أن يكونوا واعين لالتزاماتهم المالية والدينية وأن يسعوا لتحقيق العدالة والبركة في أموالهم من خلال الالتزام بأحكام الزكاة.
المرجع: كتاب فتاوي في الزاكاة والصيام للشيخ محمد بن صالح العثيمن