شهادة "أن لا إله إلا الله" هي الركن الأول من أركان الإسلام وأساس عقيدة التوحيد، وتقتضي إفراد الله تعالى بالعبادة والإخلاص له في كل شيء. يتضمن هذا الاعتراف القلبي والعملي بأن الله هو الوحيد المستحق للعبادة، وأنه لا شريك له في ألوهيته وربوبيته. وهنا سنتناول تفسير هذه الشهادة من خلال بعض الأدلة والنصوص القرآنية والحديثية التي تبين مفهوم التوحيد وتفسيره.
التوحيد: إفراد الله بالعبادة
التوحيد هو إفراد الله تعالى بالعبادة وتخصيصه بها دون سواه. يتضمن هذا الاعتقاد القلبي والعمل بالجوارح.
الدليل من القرآن الكريم
قوله تعالى: "أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَب" (الإسراء: 57)، يشرح هذا المقطع من القرآن مفهوم التوحيد من خلال تبيان أن الدعاء والتقرب إلى الله هو واجب كل مؤمن، وأن دعاء غير الله، كالملائكة والأنبياء والصالحين، هو شرك بالله لأنهم لا يملكون كشف الضر أو جلب النفع. يشير النص إلى أن هؤلاء الذين يدعونهم لا يملكون شيئًا بل هم أنفسهم يسعون للتقرب إلى الله بطاعته.
قوله تعالى: "قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشَفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا" (الإسراء: 56)، هذه الآية تأتي في سياق توبيخ وتقريع من يشركون بالله، موضحة أن من يُدعون من دون الله لا يملكون شيئًا ولا يستطيعون كشف الضر أو تحويله. وبالتالي، يكون التوحيد هو إفراد الله بهذه الصفات والقدرات.
الدليل من السنة النبوية
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، فُسِّرَ بِهِ الرِّيَاءُ"، يظهر هذا الحديث خطورة الرياء كنوع من الشرك الأصغر. فالنبي صلى الله عليه وسلم يحذر أمته من الرياء الذي يعد من الشرك لأنه ينافي الإخلاص في العبادة. هذا الحديث يؤكد أن التوحيد يتطلب الإخلاص التام لله في كل الأعمال.
أقوال الأنبياء
قوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي" (الزخرف: 26-27)، هذا المقطع من القرآن يوضح دعوة إبراهيم عليه السلام إلى التوحيد، حيث أعلن براءته من عبادة غير الله. هذه البراءة تمثل جوهر شهادة "أن لا إله إلا الله"، وهي التبرؤ من كل معبود سوى الله.
قصص السابقين
تعتبر قصص السابقين، مثل قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه، من الأدلة التي تبين نتائج الشرك وما يترتب عليه من عقوبات. تدعو هذه القصص إلى الاستقامة في العبادة والتوحيد، وتجنب الانحراف إلى الشرك.
التفسير النظري والعملي للشهادة
تفسير النظري:
شهادة "أن لا إله إلا الله" تعني الاعتقاد الجازم بأن الله هو الإله الواحد الأحد، الذي لا شريك له، ولا معبود بحق سواه. يتطلب هذا الاعتقاد رفض جميع أشكال الشرك والتعددية في العبادة.
التفسير العملي:
يجب أن ينعكس هذا الاعتقاد على حياة المسلم اليومية، من خلال إفراد الله بالعبادة والطاعة، والابتعاد عن كل ما قد يشوب هذا الإفراد، سواء كان ذلك في العبادة أو الطاعة لغير الله.
إفراد الله بالعبادة:
التوحيد في الربوبية:
هو الاعتقاد بأن الله هو الخالق والمدبر لكل شيء، ولا شريك له في ربوبيته. هذا الاعتقاد يتطلب الإيمان بأن الله هو الذي يملك النفع والضر.
التوحيد في الألوهية:
هو إفراد الله بالعبادة والطاعة، فلا يُعبد إلا هو ولا يُطاع أحد سوى الله في أوامره ونواهيه.
التوحيد في الأسماء والصفات:
هو الإيمان بأن لله أسماء وصفات تليق بجلاله وكماله، ولا يجوز تشبيهها أو تمثيلها بصفات المخلوقين.
الحذر من الشرك
يجب على المسلم أن يكون حذرًا من الشرك، لأن الله تعالى لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. والشرك ينقسم إلى شرك أكبر يخرج من الملة، وشرك أصغر لا يخرج من الملة لكنه ينقص التوحيد ويكون سببًا في عدم قبول الأعمال.
خلاصة
شهادة "أن لا إله إلا الله" هي جوهر العقيدة الإسلامية وأساس التوحيد. تتطلب هذه الشهادة الإيمان الصادق بالقلب والعمل بالجوارح، وتستلزم التبرؤ من الشرك بكل أشكاله. يجب على المسلمين أخذ هذا الأمر بجدية والعمل على ترسيخ هذا التوحيد في حياتهم اليومية من خلال الاعتقاد والعمل، والتفكر في الأدلة القرآنية والنبوية التي توضح أهمية التوحيد والتحذير من الشرك.
المرجع : شرح كتاب التوحيد للشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز بن باز